18 يوليو 2025 | 23 محرم 1447
A+ A- A
خطبة الجمعة

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 1 من جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 27/12/2019م النَّارُ وَجَحِيمُهَا

26 ديسمبر 2019

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 1 من جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 27/12/2019م

النَّارُ وَجَحِيمُهَا

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّـبَاعِ أَوَامِرِهِ وَطَاعَتِهِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ عِصْيَانِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَوَعَدَ الْمُحْسِنِينَ مِنْهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ )أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ( [آل عمران:136].

وَأَنْذَرَ الْعَاصِينَ مِنْهُمْ نَارَ الْجَحِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى: )فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى( [الليل:14-15] فَجَعَلَ فِي الْجَنَّةِ رَحْمَتَهُ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَفِي النَّارِ عَذَابَهُ لِمَنْ عَصَاهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَشْوِيقًا لِلطَّائِعِينَ مِنْهُمْ وَتَرْغِيبًا، وَتَحْذِيرًا لِلْعَاصِينَ مِنْهُمْ وَتَرْهِيبًا؛ قَالَ تَعَالَى: ) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ( [الرعد:35]، وَقَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ( [التحريم:6].

كَمَا أَنْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ غَايَةَ الْإِنْذَارِ وَحَذَّرَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ مِنَ النَّارِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: »أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ « [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ].

وَمِنَ الْمَشَاهِدِ الْعِظَامِ - عِبَادَ اللهِ- الَّتِي جَاءَ فِيهَا وَصْفُ جَهَنَّمَ، حِينَ يُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقُودُهَا الْمَلَائِكَةُ؛ مَا رَوَاهُ عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. تَأْتِي وَهِيَ )تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ( [الملك:8] أَيْ: تَكَادُ تَـتَفَرَّقُ وَتَتَقَطَّعُ مِنَ الْغَيْظِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي غَضَبًا لِلَّهِ وَانْتِقَامًا لَهُ، وَوَصَفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهَا )لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ( [المدثر:28-29] أَيْ: حَرَّاقَةٌ لِلْجِلْدِ. )نَزَّاعَةً لِلشَّوَى( [المعارج:16] أَيْ: تَبْرِي اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ عَنِ الْعَظْمِ حَتَّى لَا تَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا.

وَمِنْ أَوْصَافِ جَهَنَّمَ: أَنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً [أَيْ: صَوْتَ سَقْطَةٍ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَزِيَادَةً عَلَى هَذَا الْعُمْقِ الْبَعِيدِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَيُسَاقُ إِلَيْهَا أَهْلُهَا أَذِلَّاءَ صَاغِرِينَ مُقَيَّدِينَ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ )إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ( [غافر:71-72]، وَيَسْتَغِيثُونَ مِنْ هَوْلِ الْعَذَابِ وَالْعَطَشِ وَالْجُوعِ، فَلَا يَجِدُونَ إِلَّا الْحَمِيمَ شَرَابًا، وَالزَّقُّومَ طَعَامًا ) وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ( [الكهف:29] وَقَالَ تَعَالَى: )إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ( [الدخان:43-46] وَزِيَادَةً فِي النَّكَالِ وَالْعَذَابِ فَإِنَّهُ ) يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ( [الحج:19-20].

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ شِرَاكَانِ وَنَعْلَانِ مِنْ نَارٍ، أَوْ تُوضَعُ تَحْتَ رِجْلِهِ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ، فَكَيْفَ بِأَهْلِ الدَّرَكَاتِ السُّفْلَى مِنْهَا؟!!؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ وَذَابَتْ أَبْدَلَهُمُ اللهُ جُلُودًا غَيْرَهَا؛ لِيَتَجَدَّدَ مَعَهَا الْأَلَمُ وَالْعَذَابُ )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ([النساء:56]. وَتَعْظُمُ أَجْسَادُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ لِيَزْدَادَ عَذَابُهُمْ وَآلَامُهُمْ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَنْـكَى فِي تَعْذِيبِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي تَعَبِهِمْ وَلَهِيبِهِمْ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ « [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].

وَعَذَابُهُمْ مُسْتَمِرٌّ لَا يَخِفُّ وَلَا يَقِلُّ )لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ( [الزخرف:75] فَلَا يَنْتَهِي عَذَابُهُمْ وَلَا يَمُوتُونَ )وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ( [فاطر:36]. حَتَّى إِنَّهُمْ مِنْ هَوْلِ الْعَذَابِ وَشِدَّتِهِ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فَلَا يَجِدُونَهُ ) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ( [الزخرف:77].

وَأَمَّا خَزَنَةُ جَهَنَّمَ وَهُمُ الزَّبَانِيَةُ: فَهُمْ غِلَاظُ الْقُلُوبِ، شِدَادُ الْأَفْعَالِ )عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( [التحريم:6] يَضْرِبُونَ أَهْلَ النَّارِ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ )وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ( [الحج:21-22].

أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ وَحَرِّهَا، وَوَقَانَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَذَابِهَا وَشَرِّهَا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ َنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهْـتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاسْـتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَأَعِدُّوا الزَّادَ لِلِقَاءِ اللهِ؛ فَإِنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ فِي جَهَنَّمَ مُتَنَوِّعَةٌ، فَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، بَلْ هِيَ أَصْنَافٌ مِنَ الْعَذَابِ تَذْهَلُ مِنْ هَوْلِهَا الْأَلْبَابُ؛ قَالَ تَعَالَى: )هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ( [ص:55-58]، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- أَيْ: أَلْوَانٌ مِنَ الْعَذَابِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: لَدْغُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِنَّ فِي النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ، تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَإِنَّ فِي النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ، تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً « [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَمِنْ أَصْنَافِ الْعَذَابِ أَيْضًا: الزَّمْهَرِيرُ [وَهُوَ: شِدَّةُ الْبَرْدِ]؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ « [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: (إِنَّ فِي جَهَنَّمَ بَرْدًا هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يُسْقِطُ اللَّحْمَ عَنِ الْعَظْمِ حَتَّى يَسْتَغِيثُوا بِحَرِّ جَهَنَّمَ) [رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ].

عِبَادَ اللهِ:

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ اللهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَنَجْتَنِبَ كُلَّ مَا قَدْ يَجْلِبُ غَضَبَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، طَائِعِينَ لِلَّهِ، مُلْتَزِمِينَ أَوَامِرَهُ، وَمُبْتَعِدِينَ عَنْ نَوَاهِيهِ، وَنَتَذَكَّرَ دَائِمًا أَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، مُجْتَهِدِينَ فِي دُعَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُعْتِقَ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ؛ فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ«[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَتَرْقُـــدُ يَا مَغْرُورُ وَالنَّارُ تُوقَــدُ فَلَا حَرُّهَا يُطْفَا وَلَا الْجَمْرُ يُخْمَدُ

فَيَا رَاكِبَ الْعِصْيَانِ وَيْحَكَ خَلِّهَا سَتُحْشَرُ عَطْشَانًا وَوَجْهُكَ أَسْوَدُ

فَـكَــمْ بَيْنَ مَشْغُولٍ بِطَاعَـةِ رَبِّهِ وَآخَــرُ بِالــذَّنْبِ الثَّقِيـــلِ مُقَيَّــدُ

فَهَـــذَا سَعِيدٌ فِي الْجِنَانِ مُنَعَّـــمٌ وَهَذَا شَقِيٌّ فِي الْجَحِيمِ مُخَلَّـــدُ

اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ أَزْكَى الْبَـرِيَّةِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَاحْفَظْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمِيرَ بِلَادِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَاكْلَأْهُمَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَدِمْ عَلَيْهِمَا الصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ، وَهَيِّئْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ، وَوَفِّقْهُمَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت